Three Papers Novel Exclusively Dr-Manal sherbiny 🇪🇬

 رواية تلات ورقات


Three Papers Novel   Exclusively 




  Dr-Manal sherbiny  🇪🇬


الفصل ١٥


-  لم أحب يومًا تبديل رأيي، ومواقفي يا حبيبي.

- لم لا يا أمي، لقد غير الله رأيه مرارًا، منذ أن خلق آدم، وحتى ختم الرسالات بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛  لقد غير الله رأيه، حين رأى بني اسرائيل يجحدون نعمته التي أنعمها عليهم، فغضب عليهم، وفي حادثة المن السلوى تأكيد لكلامي

لقد قال لهم: "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ اهبطوا مصرَ"، وغير رأيه حين قال:" أفكلما جاءكم رسول بما لاتهوى  أنفسكم استكبرتم ففريقًا كذبتم،

 وفريقا تقتلون"، 

وهذا يعني أنه  بتغييره الرسل، غير طريقة التعامل معهم، وبعد أن دللهم طويلًا، تركهم في التيه، ولعنهم بعد أن كانوا شعب الله المختار، وأمر بنبذهم في كل موضع، وخلق الشيطان ملكًا مطيعًا في بداية الأمر، فلما فسق عن أمر ربه،  نبذه وجعله من المنظرين، وغير رأيه حين قرر خلق الإنسان ليكون خليفة له في الأرض، بينما رأت الملائكة أن في خلقه، تكرارٌ لوجود القتلة، المخربين والمفسدين في الأرض، فأخبرهم أنه سيخلق خلقًا مغايرًا؛ تسجد له الملائكة وتستغفر.  لقد غير الله رأيه مرارًا يا أمي، بل إنه غيَّر طريقة إثبات وجوده للناس، فسخر الجن لسليمان، وأنزل المائدة، وشق البحر لموسى عليه السلام، فابتلع فرعون وقومه، وشق القمر لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل لعيسى عليه السلام القدرة على إحياء الموتى بإذنه، وغيَّر وسيلة إرساله الرسل، وسيلة إرجاعهم إليه، ووسيلة ولادتهم فخلق عيسى بدون أب. ولم يخاطب الله قومًا إلا على قدر عقولهم، ويغير الله رأيه دومًا حين نغير نحن نوايانا وأفعالنا.  الله جواب لأفعالنا يا أمي، ونحن من يبدأ بإحسان أو بإساءة.  

هذا ما تقوله آية:" لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". لقد مسخ الله الذين اعتدوا من اليهود في السبت، وجعلهم قردة خاسئين. كان أكرم يقول هذا، ويدافع عن قراءته للحياة بالحجة والبرهان، وكان علي أن أستمع إليه، كالعادة، لكي أمنحه فرصة التفكير بصوت عالً، ولكي أسمع صوت صمته جليًا، فليس مثل أن تسمع صوت الصمت عاليًا. كنت أحترم ما يقول، وأفكر به كثيرًا، لذا أثنيت على تفكيره، ورحت أدعو له جهرًا:

-  فليحمك الله، أنا أحب طريقة تناولك للأمور، وفهمك للدلالات.

كنت ،في الواقع، أخشى عليه من الحفظة، اللذين تكتظ بهم الحياة من حولنا، ورحت أدعو الله أن يبعد عنه شر الطريق و الخونة؛ فكلامه ورؤيته للأمور ربما لن ترضي البعض، ولربما اتهموه بالخروج.

فتحت التلفاز لأخفف من توتر أكرم الذي بد واضحًا الآن، كان أولادي الثلاثة يشعرون أنهم يسبحون ضد التيار، فهل أخطأت حين منحتهم حرية اختيار طرقهم دون أن أتدخل؟ لقد علمتهم منذ نعومة أظافرهم كيف يقررون لأنفسهم، ولم أسمح لنفسي بالكذب  عليهم أو أمامهم مطلقًا، فتعلموا أن الصدق أسرع الطرق إلى النجاة، واجتهدت في أن أنقش قيمة الصدق والأخلاق الكريمة في نفوسهم. 

والحقَّ أقول لكم، لقد بذلت قصارى جهدي مرة واحدة؛ كان ذلك حين أنجبت ابنتي الكبرى. كنت حريصة على أن ألحقها بمدرسة الراهبات فور بلوغها الثالثة من عمرها، كان لتلك المدرسة طريقتها في تعليم السلوك القويم والالتزام، وتكوين الشخصية، في الواقع، كانت مدرسة تليق بتربية الفتيات. لو كنت في مصر، لأرسلتها إلى مدرسة الفرنسيسكان أيضًا، فلم أك يومًا ممن يهتمون للمسميات دون الجوهر، وقد اكتسبت هذه المدارس سمعة جيدة في تكوين الشخصية الصحيحة، وكأي أم، أردت لأولادي الأفضل في كل شيء دومًا. كان الفارق بين عمري ابنتي الكبرى وأخيها الأصغر أربع سنوات، والفرق بينها وبين الصغير ثمان سنوات، وفي الحقيقة، كان يكفي أن ينشأ الولدان بين أم وأخت لهما نفس المنهج في التفكير والتعامل، لذا، لم أبذل جهدًا  كبيرًا في تربيتهما، وتنشئتهما، كماأعدتهما الحياة والتجارب التي مررنا بها سويًا طوال الوقت لكي يكونا صانعي قرارات. لقد نقشت جيدًا كل التعاليم الصحيحة والمباديء القويمة وحفرت القرآن في صدرها، فكانت أمًا ثانية لأخويها في غيابي وأثناء حضوري، 

فقد مارست دور الأم ببراعة حسدني عليها الجميع. أتذكر الآن أنني عدت من الجورنال مبكرًا، ركنت سيارتي في الكراج الأمامي لبستاننا، وقفزت عبر طريق مختصرة فوق السور الصغير الذي يأخذني مباشرة إلى باب المنزل، فلمحت فرعًا كبيرًا من فروع شجر الأسكيدنيا، ملقىً على الأرض بشكل لفت نظري، لكني لم ألق للأمر بالًا، فقد كنت مشتاقة لقضاء ثلاث أرباع اليوم مع أبنائي. كنت أتركهم مع الخادمة السيريلانكية، التي قضت في بيتي سبع سنوات، لم تتحدث فيها غير لغة بلادها، والإنجليزية. فوجيء الأطفال، بعودتي المبكرة إلى المنزل، فالتفوا حولي يعانقوني وأعانقهم، 

بينما وقفت " بولا" مرتبكة بعض الشيء، فنظر إليها وقلت:

- هالو ، كيف  تمضي الأمور، هل أكل الأولاد.

- نعم ماما، كل شيء على مايرام، فقط يوسف ......مممم، وتعثر الكلام على لسانها، فسبقتها ساندرا، وهمست في أذني:

- لقد هبط يوسف من النافذة الشرقية، واتكأ في نزوله على الدعامات الخشبية التي تشكل تكعيبة العنب، ومنها إلى البستان الأمامي ليجلب لنا " أسكيدنيا"، فقد كان أكرم  يبكي، لأنه يريد أن يأكل منها، فأصابني الذهول، ولمحت يوسف يقف على مقربة من باب غرفة المعيشة يرقب ردة  فعلي، وفجأة قال لي:" لقد طلب أكرم حبات الأسكادنيا، كان يبكي، وأردت أن أوقف بكاءه لأنه يؤلمني، ولأنني لن أتمكن من النزول مرارًا، قلت أجلب لهم الفرع كله."

 وقفت الخادمة ترتعش، وبسرعة مليون سنة ضوئية رحت أفكر في حل حكيم يحسم الأمر، ويلغي احتمالية تكراره فيما بعد، كان من الطبيعي أن أطبق ما استفدت منه عبر قراءاتي في  العبقريات، وتاريخ الأدب، والفن والعلوم الإنسانية، فهنالك  تسلسل منطقي يربط بين علم الاجتماع، والسياسة،  والأخلاق، والأزياء والفن والأدب والحكمة، واخترت أن أقوم بدور الواعظ كي أتفادى كوارث أكبر قادمة، 

فقلت لهم جميعا:  تفضلوا جميعا بالجلوس"، فاتخذ كل منهم مكانًا فقلت مخاطبة الكل، ولكن عيناي لم تطر لتلتقي بعيني يوسف  طوال مدة كلامي:

- لن أعاقب منكم اليوم أحدًا، ولكن دعونا نتفق فيما بيننا كأشخاص محترمين، يخاف كل منا على الآخر، على دستور وقانون يحكمنا جميعًا، فركز يوسف عينيه الوسيعتين على عيني، ورحت أكلم الجميع ولم أركز نظري عليه مطلقًا، واستطردت قائلة:

-  تعالوا نصنع دستورًا نتبعه جميعًا؛  يتكون من بند واحد، هو الأهم على الإطلاق، اتفقنا؟

- اتفقنا.

- يقول البند الوحيد للدستور الذي وضعته: " لو رأى أي منكم، أنه سيفعل ما يخشى أن يخبرني به، فلا يفعله، حتى لو كان الثمن موته. وإن رأى أن ما يفعله، لن يغضبني،  فليفعله دون إذني، لأن ما تخفيه عني سيعرضك لعقاب شديد، ولن أرحمك حينها؛ هذا الكلام موجه للكل حتى نفسي. مفهوم؟

- مفهوم.

ومن يومها، لم أوجه لأحد منهم لومًا، أو عتابًا، فقد التزمنا جميعًا لبعضنا البعض بموجب هذا الدستور واحترمناه. وحتى حين يخرج أحدهم عن الدستور لسبب فاق إرادته، أراهم يجمعون بعضهم البعض، ليتناقشوا فيما بينهم كي يجدوا مخرجًا، وبعد  أن يجدوا للأمر حلًا ،  تخبرني به ساندرا، وهي منهارة في الضحك،  فأهز رأسي وأحمد الله أنه لم يخلقني ديكتاتورًا، وابتسم قلبي طويلًا، فليس لمعنى نزول يوسف لجلب ما يطلبه أخوه، رغم وعورة الطريق إلى شجرة الأسكادنيا، إلا معنى واحدًا لدي؛ هو أنه سيعرف فيما بعد كيف يكون مسئولُا عن عائلته.

اتجهت إلى الهاتف مباشرة، إذ كان علي أن أطمئن على احوال ريم بعد ان انتقلت إلى المدينة؛ امتدت يدي إلى السماعة، فجاءني صوتها على الفور:

- آلوووووو؟!!!!

- كيف حالك ريم؟

- فريدة؟ كيف حالك عزيزتي؟

- بخير، أردت الاطمئنان عليك، كيف تسير الأمور في مصر؟

- لا جديد، عمل، عمل، وعمل. يا الله، لكم افتقدناك جميعًا. لماذا لا تأتين إلى مصر لترتاحي قليلًا؟

- لا أستطيع ترك سليم وحده.

- وماذا عن الحمل؟ ألم تخبرك الطبيبة بعد عن سبب تأخر الحمل لديك؟

- لا، ولكني أمتلك إحساس العاقر دومًا.

- العاقر؟، لا تتفوهي بمثل هذا الهراء. ستصبحين أمًا عما قريب.

- لا يعنيني كثيرًا أن أصبح أمًا، فوظيفة الأم خطرة، وأخشى أن أكون غير جديرة بها. لا تشغلي بالك كثيرًا بهذا الأمر، أخبريني عن كل شيء في مصر.

- لا جديد، غير أننا لا نستطيع التأقلم مع الأجواء هنا، على جميع الأصعدة.

- أفهمك جيدًا، ولكن....؛.... انقطع الخط بيننا.

Daily graph Arabia 

إرسال تعليق

0 تعليقات