الهجرة النبوية فجر أمة ودولة غيّرت وجه التاريخ
العقيد محمود سويدان 🇪🇬
تُعد هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ،يثرب سابقًا ،حدثًا محوريًا في تاريخ الإسلام، بل في تاريخ البشرية جمعاء. لم تكن هذه الهجرة مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل كانت نقطة تحول أدت إلى ميلاد أمة وقيام دولة وهي تأسيس الدولة الإسلامية، وبزوغ فجر حضارة عظيمة غيّرت وجه العالم. لقد كانت الهجرة إيذانًا بانتقال الدعوة الإسلامية من مرحلة الاضطهاد والتخفي إلى مرحلة القوة والانتشار، وخطت بها نحو آفاق لم تكن لتُبلَغ لولا تضحيات جسام ويقين لا يتزعزع.
أسباب الهجرة ودوافعها
لم تكن الهجرة قرارًا عشوائيًا، بل جاءت نتيجة لسنوات من الاضطهاد والمعاناة التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة. لقد واجه المسلمون الأوائل ألوانًا من التعذيب والتنكيل على يد كفار قريش، حتى بلغ الأمر حد المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية التي استمرت لسنوات. ازداد الأذى بعد وفاة عمه أبي طالب وزوجته خديجة رضي الله عنها، اللذين كانا سندًا وعونًا له.
في خضم هذه الظروف العصيبة، وبعد فشل محاولات إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم واغتياله، جاء الإذن الإلهي بالهجرة. وقد ذكر القرآن الكريم هذه المحاولات الدنيئة، قال تعالى في سورة الأنفال: "وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: 30).
هذا الإذن لم يكن مجرد خروج، بل كان أمرًا إلهيًا بإنقاذ الدعوة وتأمين مستقبلها.
رحلة الهجرة المعجزة
بدأت رحلة الهجرة بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه من مكة ليلًا، متجهين إلى غار ثور، حيث مكثا ثلاث ليالٍ للاختفاء عن أعين قريش المتربصة. وفي هذه اللحظات الحرجة، تجلى توكل النبي صلى الله عليه وسلم على ربه وثقته المطلقة بنصره، كما وصفه القرآن الكريم: "إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة: 40).
هذه الآية الكريمة تجسد قمة اليقين بالله، وتؤكد أن النصر من عنده سبحانه.
كانت رحلة الهجرة مليئة بالمخاطر، حيث وضعت قريش جوائز ضخمة لمن يعثر على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه. لكن عناية الله كانت تحيطهما، كما يتجلى في قصة سراقة بن مالك الذي تتبعهما، ثم غاصت قوائم فرسه في الأرض، فأدرك أن هذا الأمر ليس بيده، وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: "نظرتُ إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، فقلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لرآنا، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما»". هذا الحديث الشريف يبين عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم على ربه، وأن معية الله تكفي لنصرة عباده المتقين.
الوصول إلى المدينة وتأسيس الدولة
وصل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق إلى قباء، حيث بنى أول مسجد في الإسلام، ثم واصلا المسير إلى المدينة المنورة، واستقبلهما أهلها بالترحاب الشديد والفرح الغامر. كانت المدينة آنذاك مزيجًا من الأوس والخزرج واليهود. قام النبي صلى الله عليه وسلم بعد وصوله بعدة خطوات أساسية لتأسيس الدولة الإسلامية:
بناء المسجد النبوي: لم يكن المسجد مجرد مكان للعبادة، بل كان مركزًا للحكم، ومدرسة لتعليم المسلمين، وملتقى يجمع شملهم ويوحد صفوفهم.
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار: قام النبي صلى الله عليه وسلم بعمل فريد من نوعه، وهو المؤاخاة بين المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم في مكة، والأنصار الذين آووهم وقاسموهم أموالهم وديارهم. وقد ذكر القرآن الكريم فضل الأنصار في سورة الحشر: "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَن هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الحشر: 9).
وضع وثيقة المدينة: كانت هذه الوثيقة دستورًا ينظم العلاقة بين جميع سكان المدينة، مسلمين وغير مسلمين، ويكفل لكل منهم حقوقه وواجباته، ويحدد أسس التعايش السلمي.
نتائج الهجرة وآثارها
كانت الهجرة نقطة انطلاق جديدة للدعوة الإسلامية، حيث تمكن النبي صلى الله عليه وسلم من إرساء دعائم الدولة الإسلامية، ونشر الإسلام في الجزيرة العربية وما وراءها. من أبرز نتائج الهجرة:
نشأة الدولة الإسلامية: أصبحت المدينة المنورة عاصمة للدولة الإسلامية، ومركزًا للانطلاق نحو الفتوحات ونشر الإسلام.
توحيد المسلمين: جمعت الهجرة شمل المسلمين من مختلف القبائل، وأنشأت أمة واحدة متماسكة.
بدء التقويم الهجري: اتخذ المسلمون من الهجرة بداية لتقويمهم، تقديرًا لهذا الحدث العظيم.
انتشار الإسلام: من المدينة المنورة، انطلقت جيوش الفتح الإسلامي لنشر نور الإسلام وهدايته في مشارق الأرض ومغاربها.
نسب النبي صلى الله عليه وسلم،،
وقد اتفق أهل السير والأخبار على ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم إلى عدنان ، فنسبوه بأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر - وهو قريش الذي تنسب له القبيلة_ بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
وفي الختام أدعو الله،أن يرزقنا الإيمان والتقوى،
اللهم تثبتنا على دينك، وجمعنا مع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم.
اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيًا عن أمته ورسولًا عن دعوته.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين، عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك.
اللهم ارزقنا شفاعته، واسقنا من حوضه الشريف، واحشرنا في زمرته. آمين.
والله أعلم
0 تعليقات